18/01/2021
الحرة
رغم مرور ١٠ أعوام على الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي إثر احتجاجات شعبية حاشدة، غير ان تونس لا تزال تعاني عدم الاستقرار السياسي وأوضاعا اقتصادية صعبة تشعل فتيل التظاهرات والاحتجاجات بين فينة وأخرى.
وتشهد عدة مدن وولايات في البلاد من بينها تونس العاصمة وسوسة والقصرين وأريانا أحداث شغب واحتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد والمحسوبية، كما يقول العديد من النشطاء الحقوقيون في البلاد.
وباتت هذا الاحتجاجات تتكرر في الفترة الأخيرة مع الاحتفاء بذكرى "ثورة الياسمين" في 14 يناير من كل عام، وبعضها يتحول إلى أعمال عنف وشغب.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية، الإثنين، إنه جرى اعتقل أكثر من 600 شخص بعد الليلة الثالثة على التوالي من الاضطرابات التي تشهدها عدة مدن تونسية فيما نُشرت قوات من الجيش في بعض المناطق.
وأوضح الحيوني إن إجمالي عدد الموقوفين بلغ 632 شخصًا، أبرزهم "مجموعات من الأفراد أعمارهم بين 15 و20 و25 عامًا تقوم بحرق العجلات المطاطية والحاويات بهدف عرقلة تحركات الوحدات الأمنية"، فيما ذكرت وزارة الدفاع أن الجيش انتشر في عدة مدن.
وفي نفس السياق، ذكر مراسل قناة الحرة أن عشرات النشطاء تظاهروا في الشارع الرئيسي بالعاصمة رافعين شعارات مناهضة للحكومة.
وحمل المتظاهرون رئيس الحكومة هشام المشيشي وقوى الائتلاف الحاكم مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي بالبلاد والذي أدى الى تأجيج احتجاجات اجتماعية متواصلة تشهده البلاد منذ نهاية الأسبوع الماضي.
الراعي.. وبوعزيزي
وقد تفجرت الاحتجاجات الأخيرة على خلفية اعتداء أحد عناصر الشرطة بالضرب والإهانة على راعي أغنام بمدينة سليانة بسبب عدم امتثاله لقانون الطرقات ما أدى إلى خروج تظاهرات غاضبة، منددة بـ "تجاوزات الأمن بحق الطبقات الفقيرة".
وتوسعت بعدها رقعة الاحتجاجات في العديد من المدن مما اضطر قوات الأمن إلى استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود الغاضبة.
وأعادت حادثة راعي الأغنام ما حدث مع البائع المتجول في مدينة سيدي بوزيد، محمد بوعزيزي، والذي كان قد أقدم على إحراق نفسه في 17 ديسمبر من العام 2010 بعد مصادرة عربته وتعرضه للصفع من قبل شرطية مما أدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية شملت معظم أنحاء البلاد وفرار رئيس البلاد آنذاك، زين العابدين بن علي، إلى السعودية.
وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في لعام 2019 برلمانا مشتتا، ما أفضى إلى صراعات داخل النخبة السياسية في وقت تتصاعد أزمات ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات البطالة على وقع تفشي فيروس كورونا المستجد.
ورغم أن تونس تمكنت من تفادي العنف الذي هز عدة بلدان في المنطقة إلا أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي فيها ازداد سوءا وأصبحت البلاد على شفا أزمة اقتصادية.
بانتظار الحوار
وكان بيان لرئاسة الجمهورية قد قبل في وقت سابق الحوار الذي دعا إليه الاتحاد العام للشغل، صاحب التأثير القوي في الشارع، وأوضح البيان إن الحوار سيكون "لتصحيح الثورة الذي تم الانحراف به عن مسارها الحقيقي الذي حدده الشعب منذ عشر سنوات وهو الشغل والحرية والكرامة".
وقال الأمين العام لاتحاد الشغل إن هذه المبادرة "هي بريق أمل لتصحيح مسار الثورة"، وهنا تجدر الإشارة إلى رباعي، يتألف من اتحاد الشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، ورابطة حقوق الإنسان، وهيئة المحامين، قد فاز بجائزة نوبل للسلام في 2015 لدورهم في البناء الديمقراطي وتجنيب تونس السقوط في أتون العنف بين المعسكرين العلماني والإسلامي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الدين العام في تونس إلى 89 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، كما أن موازنة 2021 تبدو صعبة الانجاز مع انتهاء برنامج الدعم من صندوق النقد الدولي لتونس في الربيع.
ويبدو أن حكومة، هشام المشيشي، لا تزال تواجه مهمة صعبة، تقضي بإخراج الديمقراطية الناشئة من حال عدم الاستقرار السياسي لتتمكن من مواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
ويترتب على الحكومة، مع التعديلات التي شهدتها العمل من أجل تخفيف معدّل البطالة الذي بلغ 18 في المئة بسبب الأزمة الصحية ومواجهة تفشي وباء كوفيد-19 وإنعاش القطاع العام، وهو تحد تواجهه الحكومة، في غياب دعم برلماني قوي.
خصوصية يناير.. ومكمن المشكلة
وفي حديث لموقع الحرة، أوضح الباحث، منجي الخضراوي أن لشهر يناير خصوصية عند الشعب التونسي، والاحتجاجات فيه ليست وليدة ما بعد ثورة 2011، وذلك بات يعرف بموسم الاحتجاجات بسبب قانون الميزانية السنوية التي عادة ما تقر بين شهري نوفمبر وديسمبر.
وتابع: "تعود الناس أن يخرجوا للاحتجاج على طريقة إدارة الدولة للثروات العامة للبلاد، ولكن الاحتجاجات بدأت تأخد طابعا أكثر وضوحا، لأن سطوة القوى الأمنية ضعفت بعد الثورة فيما قويت شوكة المواطن أن صح القول، إذ أصبح قادرا على التظاهر والتعبير عن رأيه دون خوف أو وجل".
ونوه الخضراوي في تصريحاته لموقع الحرة أن مكمن الخلل على الصعيد الاقتصادي يكمن إعادة حكومات ما بعد الثورة للمنهجية التي كانت متبعة في ثمانينات القرن الماضي، مما أدى إلى استمرار المظالم نفسها والظروف عينها، وبالتالي وعلى مبدأ الحتمية فإن نفس الأسباب والظروف سوف تؤدي حتما إلى نفس النتائج.
وأردف: " نحن الآن نعيش أزمة هيكلية بات ثقلها على كاهل الإنسان الفقير والعادي واضحا مما أدى إلى اندلاع تلك الأحداث الأخيرة".
الاحتجاجات.. والأجندات
ولكن ومع أحقية المطالب التي ينادي بها المحتجون والتي تعبر عن رغبة الكثير من التونسيين، يرى الخضراوي أن ثمة تساؤلات في أن أعمال الشغب التي وقعت ليلا تستفيد منها أو تستخدمها أطراف سياسية لتحقيق مصالح خاصة وضيفة.
ولفت رغم أن التونسيين معتادين على القيام بالتظاهرات في أوقات متأخرة من الليل، ولكن هذه المرة حدثت أعمال سلب ونهب كثيرة، ففي يوم واحد جرى سلب أكثر من خمسين مؤسسة اقتصادية وصناعية وتجارية.
وأوضح أن هناك من يريد أن يفشل حكومة هشام المشيشي، مردفا: "بعد نحو 11 دقيقة من إعلان رئيس الحكومة عن التعديل الوزاري اندلعت أعمال شغب ونهب وسرقة، وربما الأطراف التي كانت تدعم الحكومة السابقة برئاسة إلياس الفخاخ هي التي تسعى الآن إلى اسقاط الحكومة الجديدة".
واعتبر الخضراوي أن توقيت الاحتجاجات قد لا يكون مناسبا حاليا خوفا من أن يؤدي إلى تدهور الأحوال الاقتصادية التي هي بالأساس سيئة وخطيرة.
ويرى الباحث التونسي أنه لتحقيق انفراجة في الأوضاع يشعر خلال المواطن بحدوث تغيير في أوضاعه لا بد من تحقيق شروط عدة أهمها تغيير النهج الاقتصادي الذي لا تزال تعتمد عليه الدولة والذي كان سببا رئيسيا في قيام الثورة وإسقاط نظام بن علي.
وأكد ضرورة التعويل على الطاقات الفكرية والمهنية التي يزخر بها الشباب والاستفادة منها بالتوازي مع الاستغلال الأمثل لثروات البلاد الزراعية والمعدنية والفكرية والسياحية والثقافية.
وفيما إذا كان يتفق مع من يقول أن حركة النهضة الإسلامية هي السبب الرئيسي وراء فشل تحقيق أهداف الثورة، أجاب: "شئنا أم أبينا فإن ذلك الحزب سواء اتفقنا مع توجهاته أو اختلفنا بات جزءا من المنظومة السياسية والاجتماعية للبلاد، وقد حظي بأصوات أكثر من مليون ونصف المليون تونسي".
وزاد: "جميع الأحزاب الموجودة على الساحة من يمين ويسار شاركت بالحكم، وكل طرف له مسؤولية في تحمل ما آلت إليه الأوضاع، والمشكلة برأيي تكمن في أن النخب السياسية الحاكمة من نهضة وغيرها لا تزال تتصرف بعقلية المعارضة وليست كأنها في سدة الحكم وعليها مسؤوليات كبيرة، عليها أن تعي أن لم تعد أحزابا معارضة لنظام بن علي الذي انتهى منذ عشرة سنوات رغم استمرار بعض تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية".