تاريخ بيلاروس

    تاريخ الأراضي البيلاروسية غني ومميز للغاية. استقرت القبائل السلافية الأولى في المنطقة التي هي الآن بيلاروس في القرن السادس. كانوا على احتكاك متزايد مع الفارنجيين، وهم مجموعة من المحاربين الإسكندنافيين والسلاف من البلطيق. على الرغم من هزيمة الفارنجيين ونفيهم لفترة وجيزة من قبل السكان المحليين، طلب منهم في وقت لاحق العودة، وساهموا في تشكيل كيان سياسي، يشار إليه باسم روس كييف. بدأت دولة روس كييف في نحو 862م حول مدينة كييف، أو بدلا من ذلك حول مدينة نوفوغورد الحالية.

    بعد وفاة حاكم روس كييف الأمير ياروسلاف الحكيم، انقسمت الدولة إلى إمارتين مستقلتين. تضررت هذه الإمارات الروثينية بشدة جراء الغزو المغولي في القرن الثالث عشر، ودمجت لاحقاً في دوقية ليتوانيا الكبرى.

    من بين الإمارات التي خضعت للدوقية، تسعة منها سكنها أسلاف الشعب البلاروسي. خلال هذا الوقت خاضت الدوقية عدة حملات عسكرية، بما فيها القتال إلى جانب بولندا ضد الفرسان التيوتونيين في معركة جرونفالد عام 1410، سمح الانتصار المشترك للدوقية بالسيطرة على الأراضي الحدودية الشمالية الغربية لأوروبا الشرقية.

    في 2 فبراير 1386، اتحدت دوقية ليتوانيا ومملكة بولندا في اتحاد شخصي من خلال زواج حاكميهما. أطلق هذا الاتحاد تطورات أدت في النهاية إلى تشكيل الكومنويلث البولندي اللتواني الذي أنشئ عام 1569. بدأ الروس بقيادة القيصر إيفان الثالث حملات عسكرية في 1486 في محاولة للسيطرة على أراضي روس كييف، وتحديدًا الأراضي الواقعة حاليًا في أوكرانيا وبلاروس.

    على الرغم من المحاولات الروسية، صمدت أراضي بيلاروس الحديثة كجزء من الكومنويلث البولندي الليتواني لأكثر من 400 سنة، حيث دعم التاج البولندي اللغات والتقاليد المحلية. انتفاضة كوسيوتزكو وهي انتفاضة ضد الإمبراطورية الروسية ومملكة بروسيا بقيادة تاديوش كوسيوتزكو في بولندا وبلاروسيا وليتوانيا في 1794. عدت محاولة فاشلة لتحرير بولندا وليتوانيا من النفوذ الروسي بعد التقسيم الثاني لبولندا 1793.

    انتهت الوحدة بين بولندا وليتوانيا في عام 1795 بتقسيم بولندا بين الإمبراطورية الروسية وبروسيا والنمسا. خضعت أراضي بيلاروس الحالية في ذاك الوقت للسيطرة الروسية تحت حكم كاثرين الثانية،  وبقيت كذلك حتى احتلالها من قبل الإمبراطورية الألمانية خلال الحرب العالمية الاولى. برزت ثورة بين عامي 1863-1864 ضد الروس قادها كاستوس كالينوفسكي. ضمت هذه الانتفاضة أكثر من 80,000 من البلاروسيين من كافة طبقات الشعب. سقط قادة المتمردين في أيدي الروس في السنة الأولى من التمرد وأعدم كالينوفسكي في فيلنا (فيلنيوس) في 22 مارس 1864.

    خلال المفاوضات على معاهدة بريست ليتوفسك، أعلنت بيلاروس الاستقلال في 25 مارس 1918، مشكلة جمهورية بيلاروس الشعبية. أيد الألمان هذه الجمهورية لمدة عشرة أشهر حينما غزاها البلاشفة الروس. فور تراجع الألمان، بدأت الحرب البولندية السوفياتية، وتمزقت روسيا البيضاء بين بولندا النامية وروسيا السوفياتية، الجزء من بيلاروس تحت الحكم الروسي أصبح جمهورية بيلوروسيا الاشتراكية السوفياتية في عام 1919.

    اندلعت انتفاضة سلوتسك في الأول من نوفمبر 1920. وجهت حكومة جمهورية بيلاروس الشعبية نداءات إلى الدول الغربية والولايات المتحدة للحصول على مساعدات عسكرية لكنها قوبلت بالتجاهل. وقعت الحكومة السوفياتية في مواجهة تمرد جماعي في بيلاروس هدنة مع بولندا لرفع حمايتها ولقمع الثورة بفعالية أكبر. سمحت الهدنة للحكومة السوفياتية بنقل وحدات من الجبهة البولندية واستخدامها ضد المتمردين. ونتيجة لذلك، تم قمع الانتفاضة في نهاية ديسمبر 1920. ووفقا للسيد أنتسيبوفيتش، ما تبقى من وحدات المتمردين عبروا الحدود مع بولندا وتم نزع سلاحهم واعتقلتهم القوات البولندية، وتقريباً لم يتبق بينهم أحياء بحلول عام 1946. كما أبيد المتمردون الذين كانوا يقيمون في بيلاروس الغربية في عام 1939، وأولئك الذين هاجروا إلى بولندا أعدموا أو ماتوا في سجون ستالين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. تم دمج هذا الجزء في جمهورية ليتوانيا بيلاروس الاشتراكية السوفياتية. تم تقسيم أراضي بيلاروس بين بولندا والسوفييت بعد الحرب البولندية السوفيتية التي انتهت في عام 1921، أصبحت جمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية عضوًا مؤسسًا لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في عام 1922. بينما بقيت روسيا البيضاء الغربية تحت سيطرة بولندا.

    بدأت مجموعة من الإصلاحات الزراعية في عشرينيات القرن العشرين، بلغت ذروتها في المرحلة البلاروسية من التعاونية السوفياتية. كما جرت ثورة صناعية سريعة خلال الثلاثينيات، وفقاً لنموذج الخطط الخمسية السوفياتية.

    في عام 1939، تمت إعادة توحيد بيلاروس الغربية التي منحت لبولندا بموجب اتفاق مع روسيا السوفياتية في معاهدة ريغا قبل عقدين من الزمان، مع جمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية. وذلك وفقاً لقرار مجلس الشعب البيلاروسي الخاضع للسيطرة السوفياتية في 28 أكتوبر 1939 في بياليستوك.

    قامت ألمانيا النازية بغزو الاتحاد السوفياتي في عام 1941، حيث تلقى حصن بريست في بيلاروس الغربية واحدة من أشرس من ضربات الحروب الافتتاحية، حيث كان دفاعها الملحوظ في عام 1941 من الأعمال البطولية في التصدي للعدوان الألماني. إحصائيًا، تلقت بيلاروس أوجع الضربات النازية من بين الجمهوريات السوفياتية في الحرب، وبقيت في الأيدي النازية حتى عام 1944. خلال ذلك الوقت، دمرت ألمانيا 209 من أصل 290 مدينة في الجمهورية، 85% من صناعة الجمهورية، وأكثر من مليون مبنى. قدر عدد الضحايا بين اثنين وثلاثة ملايين (حوالي ربع إلى ثلث مجموع السكان)، بينما دمر المجتمع اليهودي في بيلاروس ولم يتعافى أبداً. لم تستعد بيلاروس تعدادها السكاني إلى مرحلة ما قبل الحرب حتى عام 1971.

    بعد انتهاء الحرب، أصبحت بيلاروس رسمياً من بين 51 بلداً المؤسسين ميثاق الأمم المتحدة لميثاق الأمم المتحدة في عام 1945. بدأت حملة مكثفة لإعادة الإعمار بعد الحرب على وجه السرعة. خلال هذا الوقت، أصبحت جمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية مركزًا صناعيًا رئيسيًا في المنطقة الغربية من الاتحاد السوفياتي، حيث زادت فرص العمل وتدفق العرقية الروسية إلى الجمهورية. أعيد رسم حدود جمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية مع بولندا إلى نقطة معروفة باسم خط كرزون.

    نفذ جوزيف ستالين سياسة السفيتة لعزل جمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية عن التأثيرات الغربية. شملت هذه السياسة إرسال الروس من مختلف أنحاء الاتحاد السوفياتي ووضعهم في مناصب الرئيسية في الحكومة الاشتراكية السوفياتية في بيلاروس. كما حدت موسكو من الاستخدام الرسمي للغة البلاروسية، والجوانب الثقافية الأخرى. بعد وفاة ستالين في عام 1953، استمر خليفته نيكيتا خروشوف على هذا البرنامج، قائلاً "كلما أسرعنا جميعاً للتحدث بالروسية، كلما أسرعنا ببناء الشيوعية."

    تعرضت جمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية بشكل كبير للغبار النووي جراء الانفجار في محطة تشيرنوبل للطاقة في جارتها جمهورية أوكرانيا السوفيتية الاشتراكية في عام 1986. اكتشف عالم الآثار زيانون بازنياك (زعيم حزب المسيحيين المحافظين في جمهورية بيلاروس الشعبية) في يونيو 1988 في منطقة كوراباتي الريفية بالقرب من مينسك، مقابر جماعية شملت ما يقرب من 250,000 من جثث الضحايا الذين أعدموا في 1937-1941. اعتبر بعض القوميين ان هذا الاكتشاف دليل على أن الحكومة السوفييتية كانت تحاول محو الشعب البلاروسي، مما دفع بالقوميين البلاروس للمطالبة بالاستقلال.

    بعد ذلك بعامين، في مارس 1990، جرت انتخابات مقاعد مجلس السوفيات الأعلى في جمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفياتية. على الرغم من أن المؤيدين للاستقلال البلاروسي من الجبهة الشعبية البلاروسية لم يحصدوا سوى 10% من المقاعد، فإن الشعب كان مرتاحاً لنتيجة الانتخابات. أعلنت بيلاروس نفسها ذات سيادة في 27 يوليو 1990، بإصدار إعلان سيادة الدولة لجمهورية بيلاروس الاشتراكية. بدعم من الحزب الشيوعي، تم تغيير اسم البلاد إلى جمهورية بيلاروس يوم 25 أغسطس 1991. التقى ستانيسلاف شوشكفيتش رئيس مجلس السوفيات الأعلى لبيلاروس بوريس يلتسين عن روسيا وليونيد كرافتشوك عن أوكرانيا في 8 ديسمبر 1991، في بيلافيتسكايا بوشا لإعلان حل الاتحاد السوفياتي وتشكيل رابطة الدول المستقلة.

    اعتمد دستور وطني في مارس 1994، حيث منحت مهام رئيس الوزراء للرئيس. جولتا الاقتراع الرئاسيتان بين 24 يونيو و10 يوليو 1994  أسفرتا عن انتخاب ألكسندر لوكاشينكو غير المعروف سياسيًا بأكثر من 45% من الأصوات في الجولة الأولى و80% في الجولة الثانية، متغلباً بذلك على فياتشيسلاف كيبيتش الذي حصل على 14%. أعيد انتخاب لوكاشينكو في أعوام 2001 و2006 و 2010 و .2015

     

    ثقافة بيلاروس

    ثقافة بيلاروس غنية ومتنوعة ؛ لقد تطورت على مدار قرون عديدة. وبفضل جهود الشعب البيلاروسي ، يمكننا الآن أن نفخر بتراثنا الثقافي.

    الأدب هو أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى النثر المنظوم إلى الشعر الموزون لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر. بدأ الأدب البيلاروسي مع الكتابات الدينية بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، يمثله شعر سيريل التورافي من القرن الثاني عشر. بحلول القرن السادس عشر، ترجم فرانسيسك سكارينا المقيم بولوتسك الكتاب المقدس إلى بلاروس . نشر في براغ وفيلنيوس بين عامي 1517 و 1525 مما يجعله أول كتاب طبع في بيلاروس أو في أي مكان في أوروبا الشرقية. بدأت المرحلة الحديثة من الأدب البيلاروسي في أواخر القرن التاسع عشر. أحد أهمها هو يانكا كوبالا. كتب العديد من الكتاب البيلاروس البارزين في ذلك الوقت، مثل أولادزيمير زيلكا وكازيمير سفاياك وياكوب كولاس وجميتروك بيادولا ومكسيم هاريتسكي لصحيفة باللغة البلاروسية تدعى ناشا نيفا، نشرت في فيلنيوس.

    بعد ضم بلاروس إلى الاتحاد السوفياتي، فإن الحكومة السوفياتية سيطرت على الشؤون الثقافية للجمهورية. وقع التطور الحر للأدب فقط في الأراضي تحت السيطرة البولندية حتى سيطر عليها السوفييت في عام 1939. نفي العديد من الشعراء والكتاب بعد الاحتلال النازي لبلاروس، ولم يعودوا حتى ستينات القرن العشرين. ظهرت آخر محاولات إحياء ماضي الأدب البيلاروسي في الستينيات  من خلال روايات فاسيل بيكاف وأولادزيمير كاراتكييفيتش.

    تعتبر الموسيقى من أنواع الفنون الصوتية الناتجة عن خليط من الغناء وعزف الآلات الموسيقية بطريقة منسجمة تبعاً للحن وإيقاعات معينة، وكان للموسيقى عبر التاريخ الفضل في القدرة على التعبير عن المشاعر والعواطف البشرية المختلفة؛ من فرحٍ، وحزنٍ، وشوقٍ، وحب. تطور الفن الموسيقي في بيلاروسيا على مدار قرون عديدة ، وتطورت العديد من أنواع الموسيقى. في القرن السابع عشر، ألف الملحن البولندي ستانيسلاف مونيوستشكو أوبرا وقطعًا موسيقية خلال إقامته في مينسك. عمل كذلك مع الشاعر البلاروسي فينتسنت دونين- مارتسنكيفيتش وألف أوبرا سيالانكا (المرأة الفلاحة). في نهاية القرن التاسع عشر، شكلت المدن البلاروسية الكبرى الأوبرا الخاصة بها وشركات الباليه. ألف كروشنر الباليه العندليب خلال الحقبة السوفياتية، وأصبحت أول باليه بلاروسية تعرض في مسرح باليه بولشوي الأكاديمي الوطني في مينسك.

    بعد الحرب الوطنية العظمى، تركزت الموسيقى على معاناة الشعب البلاروسي أو على أولئك الذين حملوا السلاح دفاعًا عن الوطن. خلال هذه الفترة، خدم بوغاتيريوف، مؤلف أوبرا في بولسيه الغابة العذراء، كموجه للملحنين البلاروس. منح المسرح الأكاديمي الوطني للباليه في مينسك جائزة بنوا دو لا دانس في عام 1996 لكونها أفضل شركة باليه في العالم. ازدادت شعبية موسيقى الروك في السنوات الأخيرة، رغم أن الحكومة البيلاروسية حاولت الحد من كمية الموسيقى الأجنبية التي تبثت على الراديو لصالح الموسيقى البلاروسية التقليدية. منذ عام 2004، أرسلت بلاروسيا فنانين لمسابقة الأغنية الأوروبية.

    الأزياء و الألبسة التقليدي قديمة جدا, تطورت عبر العصور حسب تطور البشرية بكل مراحلها التاريخية و يعتبر الزي التقليدي من المكونات الثقافية لأي شعب، فهو العنوان الذي يميزه عن غيره من الشعوب, ففيهارتباط و عمق تاريخي و تراثي، بالأصالة، و الحضارة و العادات، و التقاليد، فهذا الزي أو ذاك جزء لا يتجزأ من الشخصية، مهما طرأ عليه من تغيير، و تطوير و تقاليع، و مسايرة لآخر خطوط الموضة و الأزياء أو حتى بتغير المواد و الخامات المستعملة فيه، فهناك دائما ثوابت لا تتغير بتغير الزمان أو المكان. ينبثق اللباس التقليدي البلاروسي فترة روس كييف. نظرًا للمناخ البارد فإن الملابس عادة ما تصنع من الصوف أو الكتان للحفاظ على دفء الجسم مزينة بأنماط مزخرفة متأثرة بالثقافات المجاورة: بولندا وليتوانيا ولاتفيا وروسيا ودول أوروبية أخرى. طورت كل منطقة من مناطق روسيا البيضاء أنماط تصاميم معينة. تستخدم حاليًا أنماط الزينة المستخدمة في بعض الثياب في أوقات سابقة لتزيين رافع راية العلم الوطني البيلاروسي، الذي اعتمد في استفتاء مثير للجدل في عام 1995.

    يتألف المطبخ البلاروسي أساسًا من الخضروات واللحوم (لحم الخنزير خاصة) والخبز. عادة ما تكون الأطعمة مطبوخة إما ببطء أو مطهية. البلاروسي النمطي يأكل وجبة فطور خفيفة جدًا ووجبتين كبيرتين مع كون العشاء أكبر وجبة في اليوم. يستهلك كل من خبز القمح والجاودار في روسيا البيضاء، لكن الجاودار أكثر وفرة بسبب الظروف القاسية للغاية فيما يخص زراعة القمح. لإظهار حسن الضيافة، يعرض المضيف تقليديا خبزًا وملحًا عند تحية الضيف أو الزائر. تشمل المشروبات الشعبية في بلاروسيا فودكا القمح وكفاس، وهو مشروب خفيف مصنوع من دقيق الجاودار أو الخبز الأسمر المخمر. يمكن أيضًا أن يضاف كفاس إلى قطع الخضار للحصول على حساء بارد يدعى أوركروشكا.

    © 2024 BSU FMO. All Rights Reserved.